راديو




كفين غليظتين خشنتين تمسكان بالمقود, وجسم كبير يرزح على كرسي السائق بالكاد تظهر من ملامحه الخشنة عينين غائرتين في ظلام الشرخ الأفقي بين القبعة والشال الملتف حول فمه .

عينين هادئتين باردتين كأنهما الموت, غير مهتمتين بما يحدث خارج النافذة المغلقة على طقس جميل وهواء عليل.

نقر ٌ على نافذة السيارة المتوقفة على جانب طريق مزدحم ..
التفت ببطء ليرى بائعا متجولا كان يريد أن يعرض عليه شيئ ً ما . ولكنه تراجع بخوف عندما رأى ملامح السائق .

وببطء أدار السائق رأسه مجددا ً إلى الأمام بعد ابتعاد البائع, وهمهم بصوت عميق بضع همهمات وصمت بينما كانت تتدلى من أسفل المقود بعض الأسلاك العارية .

رفع كفه الأيسر عن المقود ونظر لبضع ثواني إلى بطن كفه الذي بدت فيها بعض الأضواء الملونة الخافتة من تحت الجلد .
أعادها للمقود ورفع اليمنى ومدها ببطء باتجاه الراديو .
و وقفت اليد في الهواء للحظات وكأن الأصابع لا تعرف ماذا تريد أن تفعل قبل أن تدير المفتاح ويصدر صوت موسيقى لطيفة في خلفية مذيع ومذيعة يتحدثان بمرح .

المذيعة: بالتأكيد ستكون حفلة رائعة . نتمنى للرابحة أوقاتا ً سعيدة وسيتواصل معك المنتج لاستلام البطاقات
المذيع : بالتأكيد, وسنستمر في استلام الإجابات على سؤال المسابقة لذا لا تترددوا في إرسال الإجابات فمازال لدينا بطاقات لحفل مهرجان الموسيقى .
المذيعة: أنا أحسدها .. ستذهب هي وخطيبها للحفل .
المذيع : هذا رومانسي جدا ..
المذيعة : هل ستذهب أنت ؟
المذيع : لا .. سأكون هنا في العمل أتكلم عن المهرجان ..


يضحك كلاهما وتستمر الموسيقى المرحة للحظات قبل أن يعاودا الكلام .

المذيعة : لاحقا ً سنقدم تقريرا ً عن مجريات الحفل وكل المشاهير القادمين من الخارج, ولكن أريد أن أسألك .
المذيع : ماذا ؟
المذيعة : هل كنت تعرف أن شرب القهوة قد يكون مضرا ً بالصحة ؟
المذيع : أنا أشرب الكثير من القهوة .
المذيعة ضاحكة : أنت تشرب القهوة الآن .
المذيع : أها .. (و يصدر صوت شرب القهوة)
المذيعة : هناك دراسة جديدة عن منافع ومضار القهوة سنتكلم عنها ولكن قبل ذالك لدينا شيء مختلف اليوم .
المذيع : نعم اليوم لدينا شيء جديد وغريب في آن معا . لم يسبق لي في مجال عملي أن حدث أي شيء مشابه, وأنا أعمل كمذيع منذ زمن طويل .
المذيعة : نعم أنت كبير جدا ً وعجوز ( تضحك )
المذيع : حقا ً !؟ ..
المذيعة ضاحكة : أمزح معك .. آسفة على المقاطعة . أكمل .
المذيع : حسنا ً . تعرفين كيف أننا نذيع أخبار المشاهير والحفلات والمهرجانات .
المذيعة : طبعا ً ..
المذيع : ونذيع أيضا ً الإعلانات التجارية .
المذيعة : نعم طبعا ً .
المذيع : اليوم لدينا شيء مختلف .. وصلتنا رسالة من إدارة القناة وطُلب منا أن نقرأها على الهواء في وقت محدد ودقيق .
المذيعة : ماذا في الرسالة ؟
المذيع : لا أعرف .. هي في ظرف مغلق .. لا أحد يعرف ماذا في الرسالة .
المذيعة : ولا حتى مديرتنا !
المذيع : ولا حتى مديرتنا .. الظرف وصل من أعلى .
المذيعة : أوو . هذا مثير .. ماذا يوجد فيه يا ترى ؟!
المذيع : سنعرف خلال لحظات . يجب أن نقرأ الرسالة الساعة الرابعة تماما ً ..
المذيعة : الساعة الرابعة الآن .؟!
المذيع : ليس بعد .. إنها الثالثة وثمان وخمسون ..
المذيعة ساخرة : أه يا دقيق يا أنت !
المذيع : طبعا هذه هي التعليمات .
المذيعة : افتح الظرف طيب ..

صوت ورق على الراديو وظرف يفتح وورقة تخرج من الظرف

المذيعة : ماذا في الرسالة .. لقد شوقتني .
المذيع : لم أفهم شيء .
المذيعة : لقد أصبحت الساعة الرابعة تماما ً .. هيا اقرأها .
يبدأ المذيع بقراءة الرسالة :

رسالة إلى سار ..
سار . أعرف أنك تسمعني . لقد عاد الكرفون, وسيحصل الجميع على أوكسيجين ووقت حر في القو . لن يشرق القمر بعد الآن .. أرجوك عد . لم يعد الأمر يستحق المخاطرة . دع رام الطفل وشأنه وعد إلى عام 3147 . . ريف وكارا في انتظارك
.”

يصمت المذيعان في حين تستمر الموسيقى المرحة في الخلفية لبرهة قبل أن ترد المذيعةبصوت ملؤه التعجب والدهشة.

-
ماذا !؟!



يرد صوت المذيع بحيرة واضحة : لا .. لا أعرف .. ولم أفهم شيئً !
المذيعة :هل هذه مزحة ؟!
المذيع : لا أعرف .. ربما هي مسابقة جديدة .
المذيعة : الناس وعلى ماذا يدفعون أموالهم . هذا الوقت الإذاعي ثمنه فلوس .
المذيع : لا أعرف ربما هناك من لديه الكثير من المال ليضيعه على هكذا رسائل .
المذيعة : ما علينا . لقد قمت بقر اءتها في وقتها .. الآن للمزيد عن حفل افتتاح مهرجان الموسيقى وفضائح المشاهير . ولكن قبل هذا سنتكلم عن دراسة جديدة أجرتها جامعة …..

تمتد يد غليظة وتدير مفتاح الراديو وتسكت المذيعة قبل أن تنهي جملتها …
تعود اليد الغليظة للإمساك بالمقود ويتجمد الرجل الضخم القابع في مقعد السائق للحظات .. 


قبل أن يجهش بالبكاء كالأطفال ..