في الجنة

قصة قصيرة من خمس فصول ..


( 1 )

تثآءَب ومد ذراعيه فوق رأسه بقدر ما يستطيع متمطيا ً قبل أن يعيدها فوق كرشه اللذي تسبح عليه ظلال الشجرة الزبرجدية التي يتمدد تحتها.

كان خليل عبد الله قد أمضا في رحاب الجنة ما يزيد عن سبعين ألف سنة قبل أن تصبح موضة عد السنوات قديمة وبالية لينسى منذ ذالك الحين كم من السنوات قد أمضى في هذا النعيم , فبالنهاية يبقى أمامه الأبد ليتمتع بملذات الفردوس ..

ما أن أغمض عينيه ليتنهد حتى فتحها على حورية شقراء بعمر الزهور و جسد كالحليب مالبثت أن استقرت بين قدميه وانشغل فمها بما تحت كرشه .
نظر إليها متململا وما أن هم بفتح فمه حتى انتصب أمامه ميمون كبير خدم و حوريات الجنة و انحنى بوقار ليهمس بأذن خليل : هل هناك أي مشكلة سيد خليل .. هل هذه الحورية لاترقى لذوقك اليوم

خليل : لا .. لقد مللت منها ومن مثيلاتها .. أعطني شيءً جديدا .

ميمون وهو يفتح أجندته السحرية : نعم سيدي .. امم .. لقد قمت بنكح السمراوات , شقراوات , طوال , قصار , سمان , نحاف , أطفال , رجال , حيوانات , وحتى الأشجار يبدو أنك قمت بنكح كل ما هو مباح في الجنة ..

سبعون ألف عام من الشباب والقوة و كم غير متناهي من الأمنيات المستجابة مدة طويلة جدا حتى لسكان الجنة . كان خليل عبد الله قد نسي من السنوات المئة الأولى حياته الدنيوية وكيف كان زاهدا متعبدا متقشفا بمتع الدنيا ليربح الآخرة والجنة وقد فعل وكان من الفائزين ليس كزوجته أمونة التي اتضح أثناء الحشر أنها كانت تخونه باستمرار مع صبي البقال أثناء بيات خليل في الجامع متعبدا ً لأسابيع يحلم بأنهار من الخمر و فتيان من المرمر و مئات بل آلاف من الحور العين مع قضيب ٍ لا ينحني وشهوة ٍ لا تنقطع .

تململ خليل و تأفف : فف.. يعني .. هات ما عندك من جديد ..

ميمون : يمكننا أن نجلب مخلوقا ً فضائيا ً من موديل 1950 .. ذاك اللذي يشبه الأخطبوط لتنكحه ..

خليل : لا .. لقد جربته سابقا ً .

ميمون : الشيء الوحيد المتبقي من المباح نكحه في الجنة هي سيارة فورد فورويل موديل الـ 2006 .

خليل ملوحا ً بيده : لا .. لا أريد ..

ثم لمعت عيني خليل عن فكرة و صدى كلمات ميمون تتردد في عقله
( المباح نكحه في الجنة ) .

خليل بعد برهة : ميمون ..

ميمون : نعم سيدي .

خليل : ما هو الغير مباح نكحه في الجنة في الجنة ..؟

لأول مرة يتفاجأ ميمون من سؤال أحد الصالحين الغانمين : ماذا .. ها ..؟

خليل وقد لمعت في عينيه شهوة اللذة المحرمة : لقد سمعتني , أريد أن أنكح ما هو محرم نكحه في الجنة.. أريد التلذذ بما هو ممنوع ... هات ما عندك .



( 2 )


هات ما عندك ..

قالها خليل لميمون الواقف فاغرا فمه أمام هذا الطلب الغريب
خليل : ماذا تفعل أريد ما هو محرم ..هل تسمعني أم علي تسجيل شكوى رسمية..ما هذه الخدمة في الجنة .

لم يعتد خليل أو أي من سكان الجنة أن يطلب طلبا إلا وكان مستجابا خلال ثواني ولكن ذالك الطلب ترك ميمون مشلولا لبعض الوقت قبل أن يتحرر من ذهوله ويسترجع كياسته و فطنته .

ميمون : عذرك سيد خليل , لايوجد في الجنة قائمة بالمحظورات فكل اللذائذ مباحة .

خليل : لقد خبرت جميع اللذائذ والمتع الموجودة .. أريد شيئ ً جديدا ً .. لقد شبعت من هذا النعيم أريد قائمة بالمحظورات وما هو غير مباح في الجنة .

أخرج ميمون ساعة جيبه الزجاجية وبخفة وسرعة ضغط على زر الحالات الطارئة واللذي لم يستعمل قط
وما أن فعل حتى توقف الزمن في أرض الجنة تماما ليتجمد كل شيء في مكانه . الحوريات المتمايلات فوق أحضان الصالحين , طيور و طواويس الجنة التي كانت ترفرف في الهواء , طرطشات نهر اللبن متجمدة في الفراغ .. كل شيء حتى خليل الذي يلوح غاضبا بإصبعه وقف جامدا ً.

كان هذا إجراء إحترازي في حال وقوع حدث جلل في الجنة حتى لايشعر سكانها بوطئة الأجراءات البطيئة . وما أن تأكد ميمون أن الزمن توقف بالجنة حتى انطلق راكضا ً بل محلقا ً باتجاه المكتب الإداري ليجد الملاك جبريل اللذي كان يدقق بعض الفواتير واقفا ً بالباب يسأل عن سبب هذا التوقف .

ميمون لاهثا ً :عذرك سيدي الملاك جبريل .. لدينا مشكلة .

الملاك جبريل مبتسما ً : ماذا حصل .. هل بدأ أهل الجنة بتكفير بعضهم والأقتتال .

ميمون : لا يا سيدي .. ليس بعد .

جبريل : هل بدأوا بأنشاء مجموعات وحكومات سعيا ً للإنقلاب على النظام السائد .

ميمون : لا يا سيدي ليسو بهذه الإرادة ..فهم أكسل من أن يفكرو بهذا .

جبريل : إذن ماذا هناك يستدعي كل هذا الذعر ..

ميمون : لقد ..لقد بدأوا بالملل من متع الجنة ..

كان الملاك جبريل صامتا ً متفاجئا ً خلف مكتبه العاجي وهو يستمع لشرح ميمون عن طلب الصالح خليل عبد الله وحالته وما أن أنهى ميمون كلامه حتى رفع جبريل يده إلى لحيته وبدأ يمسدها وهويحرك جناحيه و يعقد حاجبيه في صمت ٍ لم يدم طويلا ً .

جبريل : إن لذالك أبعاد كثيرة .. ويمكن أن يتطور الوضع إذا ما ترك دونما حل ..

ميمون : وطبعا يمكن أن يطال القديسين و الأنبياء و حتى الملائكة ..

جبريل عاقدا ً حاجبيه : الملائكة ؟؟

ميمون : صدقني سيدي فخليل هذا لم يوفر حتى خالته ولا أستبعد أن تكون أنت على قائمته إن عرف بأن ذالك مباح .

جبريل يعدل من قامته ويرمق ميمون نظرة تعجب : ماذا ؟ .

ميمون : والأخطر أن يبدأ حتى بالملل منا والتفكير بـِـ ..

ضرب جبريل قبضته على المكتب وقال بلهجة صارمة : اخرس .. هذا كلام غير مقبول .. لا أعرف كيف أن محمدا ً هذا قام بالتشفع لكل هذه الحثالة لتدخل الجنة ونبتلي نحن بها ..

ميمون : والحل سيدي ؟



( 3 )


والحل يا سيدي ؟

أطرق جبريل مفكرا وحاجباه عقدى على نظرة ملؤها خبرة مخيفة جعلت ميمون يسكت في حياء ..
قليلا ً و أسند قامته فوق كرسي مكتبه السماوي وتنهد مرخيا جناحيه

حسنا ً ... أعطني الساعة البلورية يا ميمون ..قال جبريل وهو يومي بكفه .

أفاق ميمون من ذهوله وانتفض مهرولا إلى جانب المكتب العاجي ووضع الساعة في كف الملاك جبريل
نظر إليها جبريل ثم بهدوء أدار مفتاح الأمان ليعود الزمن إلى مجراه في أرض الجنة حيث الطيور رجعت ترفرف والحور تتمايل على أحضان الصالحين وطبعا ً رجع خليل للتلويح بإصبعه غاضبا ً ولكن دون ميمون ليتلقف الشتائم ..



كان ميمون متفاجئا ً من التصرف الغير متوقع من جبريل حيث لم يتحرر الكلام منه إلا بعد أن ألقى جبريل الساعة إليه

شهق وهو يتلقفها وقال : سيدي ولكن .. خليل .. والمشكلة ..والــ ..

قاطعه جبريل بهدوء ولكن بنوع من الحزم والغضب : كفى .... أنا أعرف كيف أتعامل مع خليل وألف مهووس جنسي مثله.. فلي خبرتي السابقة في تعاملي مع محمد ..

ميمون : وماذا أفعل أنا يا سيدي ..

جبريل : الصبر ... الصبر من شيم الحكماء يا ميمون .. راقب وتعلم ..

في تلك الأثناء كان دم خليل الصالح يغلي وصوته يصدح شتما ولعنا ً في طريقه للمكتب الإداري في الجنة ً فكانت الحوريات ترتعد والطيور تهرب وحتى الصالحين من أهل الجنة إرتخى ما كان لهم صلبا من شدة المفاجئة , فقد نسى أهل الجنة خلال هذا الزمن الطويل من النعيم ما معنى أن يكون الإنسان غاضبا ً أو حزينا ً وبان لبعضهم أنه مجنون واللبعض الآخر أنه منتشي والباقي بقي مذهولا ً خائفا ً من هذا المجهول الذي يراه للمرة الأولى منذ أكثر من سبعين ألف سنة فلا يعرف ما هو ...

وصل خليل عبد الله إلى المكتب الإداري وبدأ يصرخ ويزبد ويرعد ويشتم ويكفر وينادي على ميمون .. وكانت الملائكة من الكتبة والمحاسبين وحتى صغار الجن من عمال النظافة يهربون من وجهه الأحمر الممتلئ بالعروق ...

بدأ صوت خليل يعلو منذرا ً باقترابه من مكتب جبريل حيث ميمون يرتجف وترتجف تحته قدماه .. وذهبت أفكار ميمون بعيدا ً : ماذا يمكن أن يفعل بي هذا المتوحش .. لقد رأيته أكثر من مرة وهو يناكح وأعرف تماما ً مقدار الأنسانية والحنان الذي لديه .. هل يعقل أن يقدمني جبريل له كهدية لإرضائه ... هل تهون العشرة وخدمتي له ولأهل الجنة كل هذا الزمن الطويل ...

نظر مستجديا إلى جبريل الجالس بهيبة هادئة خلف مكتبه : سيدي ... خليل هنا ... مـ مـاذا سأفعل ...

رد عليه جبريل بغضب : إهدأ .. فليجرؤ ذالك الحيوان على دخول هذا المكتب وسأجر عليه وعلى جميع أهل الجنة الموت والدمار ...

كان الضجيج يزداد ومعه يزداد خوف وهلع ميمون ويزداد المكتب ظلاما ً وتتشكل غيمة كئيبة مظلمة فوق رأس جبريل الغاضب وتظلل على لحيته البيضاء الطويلة ..



لحظة من الصمت ...




بوووم ... !!

ويهتز باب المكتب بقوة مصدرا صوتا ً عظيما . . فيقع ميمون أرضا ً من الخوف ..
يبدو أن خليل يرفس الباب من الجهة الأخرى ..!

و مرة ثانية ..

و ثالثة .. لينفتح الباب على مصرعيه على خليل الواقف عاريا كما ولدته أمه و غاضبا كالثور ..

تنقشع الغمامة فوق رأس جبريل عن نور إلاهي خلاب وتتبدل ملامحه الغاضبة المكرهبة إلى ملامح مبتسمة ومتسامحة ..

( ... أهلا ً وسهلا ً بعزيزي وحبيبي الصالح خليل عبد الله ... حللت أهلا ووطئت سهلا ًً ... )




( 4 )


حللت أهلا ووطئت سهلا ...!!


متفاجئا ً ومذهولا ً من هول وجلال مظهر جبريل بهالته السماوية وأجنحته الملائكية العظيمة وقف خليل لا يحرك ساكنا ً بينما حلق سرب من الحمام الأبيض الملائكي من خلف الملاك الجليل وعلى خلفية المشهد بدأت موسيقى تصويرية من ثلاثة صفوف من المرتلين ظهرو فجأة على اليمين والشمال ..

جبريل : أهلا ً أهلا ً .. حبيبي خليل .. أخيرا ً أتيت .. لقد كنا بانظارك ..

لم يكن خليل وحده من صعق بهذا الأستقبال السماوي الغير متوقع فقد ظل ميمون على الأرض فاغرا ً فمه وهو يشهد هذه الجوقة من المهرجانات والأضواء من حوله بينما بدأ خليل بتذكر من يكون وأين هو ..

خليل : مـ .. مـن أنت .. جبريل ؟! ... أين أنا ؟... أنا أعتذر !.. لقد كنت ..

ويلمح خليل ميمون الجالس على الأرض فاغرا ً فمه فيتذكر سبب قدومه : هو سيدي .. هو .. جعلني أتبعه إلى هنا .. مؤشرا ً بإصبعه على ميمون الذي وإلى هذه اللحظة ظل قابعا ً على الأرض فاغرا ً فمه .

ينظر جبريل إلى ميمون نظرة تعجب واستغراب وهو يمسد لحيته البيضاء .. : حقا ً ؟ .. هممم ..!!

تترائى لميمون نهايته الشنيعة على يدي ورجلي خليل .. ( وربما أشياء أخرى منه ) فخر ساجدا لجبريل وبدأ بالبكاء... لقد تخلى عنه جبريل وتبرأ منه تماما ً ..

جبريل : لعمري إن ذالك من تدبير حكيم ٍ منتصر لقد صدقت النبوئة ..

خليل : نعم أنه هو .. لقد .. ماذا ..؟؟

جبريل : لقد أخبرني ملك الملوك إلاه الكون أنه سيرسل بقدره أحب الناس إلى قلبه وخليفته
المنتظر قريبا ً ولكن ...

نظر إلى الأرض مفكرا ً وهو يمسد لحيته .. : ولكنه قال أنه سيأتي بعد ثلاث إشارات واضحة ؟؟

قفز غلام ٌ صغير من غلمان الجنة من زاوية المكتب وقال : لقد رفس الباب ثلاث رفسات ..
واختفى الغلام ..!

" نـعـم " .. قال جبريل مبتسما ً بصوت اهتزت له الجدران وطارت له أسراب الحمام من وبدأ الكورال العظيم يمجد بأحلى الأنغام المفرحة حيث لبث ميمون وخليل كلاهما لايفقهى شيئ ً مما يحدث ..

خليل : لكن.. لكني أرتطمت بالباب في المرة الأولى .. لم أرفسه ..و ..

جبريل بلهجة فرحة : عزيزي هذه تفاصيل صغيرة يمكن إفتاؤها .. المهم أنك هنا وقد حققت النبوئة ..

خليل : نبوئة ؟ .. أي نبوئة ؟ .. ألم تنتهي النبوئات على الأرض ؟!..

جبريل : عزيزي لأهل الأرض نبوئات الأرض ولأهل السماء نبوئات خاصة أعظم وأجل ... تعال تعال إلى مجلسي نتحدث ونحتسي الخممرم .. ولا تجزع فلم يخطو إلى مجلسي إنسي ٌ من قبل وقلة من الملائكة تعرف بوجوده ..

انشق الجدار عن بهو خرافي من الرخام الشفاف الملون مرفوع بأعمدة من أغصان الجنة المورقة وفرش السقف بعريشة عنب من كل لون وصنف وخرجت من الأرض كالفقاعة أريكتان مخمليتان سماوية اللون عليها خطوط زبرجدية مضيئة تتوسطها طاولة بلورية صغيرة والطيور والفراشات تحلق في أرجائه مغنية

كان خليل مشدوها من ما يحدث لا لأنه لا يحدث في الجنة لكن لأن أهل الجنة ذوو عقول محدودة لا تجيد الأبتكار في الطلبات ..

جلس الأثنان .. صفق جبريل وهو يجلس نافضا ً جناحيه : ميمون ..هات قدحين من الخممرم الممتاز ..

بدأ ميمون باستعادة وعيه : مـ ماذا ..؟

جبريل : الخممرم يا غبي ... وغمزه موميا ً لزجاجات الخمر السماوي المعتاد

يقفز ميمون وبلمح البصر يصير بين الأريكتين بطبق من فضة عليه كأسين من الخمر يضعهما على الطاولة وينسحب بهدوء باتجاه الباب


وبينما كانت عينا خليل الغاضبة والمتوعدة تتابع انسحاب ميمون قام جبريل بتلقف أحد الطيور التي تجوب الغرفة بطرف جناحه إلى يده ..ثم إلى يده الأخرى ويعصره بحركة سريعة فتنتفخ عيناه وتسقط من دبره قطرتين في كأس خليل ..

دعك منه ياخليل .. قال جبريل ملقيا الطير المسكين وراء المقعد : إنه مجرد أداة للقدر وضعه الله ليرسم قدومك .. إنه المكتوب فلا تؤاخذ عبدا ً مسكينا مسيرا ً ..

شعر خليل بالخجل والحيرة فقال بتواضع : لم أفهم ما عنيت عندما قلت نبوئة .. وما دخلي أنا الأنسان

تبسم جبريل وقال : لا بأس .. لابأس أشرب وسأشرح لك .. في صحتك.. ورفع الأثنين الكؤوس وشربا
وجرت رعشة مقززة تحت جلد خليل وعلى طول سلسلة ظهره ولم يستطع شرب المزيد

ما هذا المذاق .. قال خليل : هذا الخمر غريب ..

قهقه جبريل بصوت عالي وقال : هذا ليس بخمر ..إنه الخممرم ..الخممرم !!

خليل : وما هو .. ؟

ضحك جبريل مجددا : إنه شراب نخبة الملائكة وأنصاف الآلهة وهو الشراب المفضل عند الله ملك الملكوت

نظر خليل بذهول وقد احولت عيناه على القدح بين يديه يحاول استيعاب ما قال جبريل

جبريل : آه ..لكن نسيت أنك ما زلت آدميا ً ولا تستطيع تذوقه .. فحواسك الأرضية لا تقدر على استشعاره والأحساس بعظمة هذه اللذة .. آه يا خليل ما ألذه وأطيبه ..ليتك تستطيع استشعاره ..

وأخذ جبريل رشفة صغيرة من كأسه وبدأ يتأوه ميتلمض ويذوب ويتلوى ويتراقص في مكانه من هول المتعة

نظر إليه خليل مشدوها ً بعينين مفتوحتان وبدأ بالنظر إلى الكأس من جديد

جبريل يعدل من جلسته ويضع الكاس جانبا ً : لا تحزن فقريبا ستصبح من خزنة السماء وأنصاف الآلهة وستفتح أمامك بوابات وبوابات من اللذات المحرمة على صغار الملائكة والصالحين ...

خليل : المحرمة ... حقا ً ... لكن لماذا ..؟؟

جبريل : لأن الله اختارك وقدر لك المجيء لهذا المكان وهذه اللحظة بالذات ..

خليل متبسما وريقه يغادر شفتيه إلى عنقه : لذات كثيرة ..

جبريل يهز برأسه موافقا ً : أكثر مما يمكن أن تتخيل ..

خليل : وماذا ننكح هناك ..؟

جبريل ساخرا ً : أما زلت تفكر بعقلية أهل الأرض وذاك النكاح التافه الحقير .. إن هذه اللذات أعظم وأجمل ما يمكن أن يتمتع به مخلوق .. أكبر وأكثر مما يمكن حتى تخيله .. كيف لا والخالق يستمتع ويتلذذ بها شخصيا ً .. وإني لأقسم بأعظمها .. أقسم بالـ .. بالـ ..

وترتفع عينا جبريل إلى السقف وكأن روحه غادرت جسده من النشوة .. ويهمس : .. الشبلبع ..

وعم صمت غريب له من القدسية ما جعل الفراشات والطيور تهوي على أرض البهو والأزهار والأعناب تذبل في خجل بينما بدأ لعاب خليل يغطي الأرضية ..

خليل يبلع قليلأ ً من ريقه : الشبلــ .. ؟

اكفهرت السماء وقصف الرعد واختبأت الملائكة تحت الأشجار ...

لا .. لا .. جبريل يصرخ بحزم : إياك و نطق اسمها .. أنها لأعظم من أن تذكر ..
ويستعيد رباطة جأشه بعد نشوته من ذكر اسمها فقط ويقوم واقفا ً ..

يزم خليل على شفتيه ويتنهد ويقول صاغرا ً : أريد من ما تقول ..أريد هذا النعيم .. إنه ما أبغي من وجودي وما أصبو إليه ويبدأ بالنحيب .. كالطفل عندما يريد شيئا ً.. يبكي ويشهق .. يقعي عاريا ًعلى الأريكة التي تحولت صخرا ً وضيعا ً ودموعه تغطي وجهه المجعد ..

صبرا ً صبرا ً يا خليل .. قال جبريل مربتا على كتف خليل : لقد اختارك الله واصطفاك لذالك ..

يبتعد خطوتين ويغير ملامحه من جديد .. هذه المرة إلى حيرة وأسف .. ويقول بصوت خفيض ويديه وراء ظهره ناظرا ً من النافذة : ولكن هناك ما هو ناقص .. ما هو ناقص ..



( 5 )

( ولكن هناك أمر ناقص .. )

انقض خليل على قدمي جبريل ومازالت دموعه تغطي وجهه : ماذا ناقص .. كيف .. أنا أريد منه لا تحرمني أرجوك ...

جبريل : الموضوع كما تعرف أن لاشيئ يأتي مجانا ً يا خليل .. لقد كسبت الجنة بما عملت في الأرض ولن تستطيع نيل هذا الشرف يوم التنصيب إلا بعد تقديمك شيئ ً لتثبت استحقاقك له ..

خليل : لكني كنت طوال عمري في الدنيا زاهدا ً متعبدا ً .. ألا يكفي هذا ؟

جبريل مستنكرا ً : أنت تتكلم عن الحياة الفانية على الأرض وكأنها تذكر الآن .. أنت الآن من أهل الجنة الصالحين فتلك هي مكافئتك الموعودة في الأرض ..

خليل : اذن أخبرني .. ماذا علي أن أفعل ..

جبريل : ان الله يجزي بقدر العطاء وبقدر ما تكسب من حسنات من أجل الفوز الأخير ... ذالك المبدأ الأرضي هو مبدأ عام في السماء أيضا ً

خليل : وكيف لي أن أعرف ماذا يريد الله مني لكي أفوز بهذه المتع التي لا توصف ..

جبريل مبتسما ً : ولماذا أنا هنا .. إن من الشرف لي أن أكون رسولا ً لمشيئة الله ؤلقنها لك علما ً لكي تهدي به أهل الجنة إلى الصلاح ..

تفاجأ خليل : وهل يحتاج الصالحون إلى صلاح ؟؟

جبريل متداركا ً: ليس الصلاح الدنيوي انه صلاح في المتع فهم يستهلكون متعهم خارج الأصول والقوانين لذا هم لا يستمتعون بها ..لذالك أيضا ً ما عدت تستحلي النكاح في الجنة وقد كان كل مبتغاك في حياتك

خليل مستفسرا وقد بانت عليه علامات الغباء : أصول .. وهل للمتعة أصول ؟

جبريل : طبعا ًطبعا ً يا خليل .. وإلا فكيف مللت منها بسرعة .. إنها فقط بضع عشرات الآلاف من السنين في الجنة وقد مللت كل شيئ ...

خليل : وما هي هذه الأصول ..وكيف سأعرفها ؟

جبريل : هذه الأصول والقوانين والتحريمات هي رسالتك لإخوتك الصالحين في الجنة حتى تكون لهم اللذات الأبدية .. هي التي سأنقلها بكل أمانة من الله العليم الخبير ..

خليل بعد برهة : لكنهم لن يصدقوني .. ليس بعضهم على الأقل ..

جبريل بلهجة متحمسة : أنت المصطفى من الله .. فكيف لا يطيعوك إنهم أغبياء يضرون أنفسهم بل يضرون السماء برمتها بفعلتهم الشنيعة وتكبرهم على مشيئة الله ...

خليل : ولكن كيف لي أن أجعلهم يتبعوني ؟

جبريل : إن أنت أرهبتهم من الحياة الابدية بدون الشعور باللذات ورغبتهم بالقليل من الملذات الإلاهية التي ستحصل عليها بعد التنصيب .. ينظر خليل إلى جبريل ويحاول إعلان رفضه ...
فيقاطعه جبريل بسرعة ويقول : بعضها فقط .. البعض القليل .. لكي نصل إلى التنصيب وقد أنجزت ما هو أجل من كل إنجاز .. ونفذت مشيئة الله وأصلحت حال أهل الجنة .. ومن لا يتعظ ويطيع أمر الله ..؟؟

يرد خليل : له الموت.. فهو كافر .. ويبدأ وجهه يزداد قبحا ً ..


جبريل مبتسما ً : أحسنت .. إذهب الآن فأهل الجنة في حيرة من أمرك وأمرهم .. فهم في حاجتك لترشدهم للطريق القويم ..

خليل ناظرا ً في الهواء : لأكون مرسلا ً لهدايتهم .. !!

جبريل : لتصل للتنصيب ..

خليل كالمنوم مغناطيسيا ً : التنصيب ..!!

جبريل : وتصبح من أنصاف الآلهة وسادة الملائكة ..

خليل مرددا وابتسامة قبيحة ترتسم على شفتيه : سيد الملائكة .!!

جبريل هامسا ً : وتحصل على اللذات المحرمة ..

خليل وقد سال لعابه من بين شفتيه الممطوطتين وكان مسلوب العقل تماما ً : اللذات المحرمة ..

جبريل : وطبعا سيكون لك وحدك ... ويهمس في أذنه : الشبلبع ...

فينطلق خليل كالبرق راكضا ً كالثور الهائج من المجلس إلى المكتب إلى الباب فيقتحمه كالقذيفة ليتحطم إلى أجزاء صغيرة وغبار تتطاير مع ميمون المسكين الذي كان يحاول استراق السمع من خارج المكتب ...

يسقط ميمون أرضا ً وقد امتلأ شعره الأشعث وملابسه المجعدة بالغبار والرمل وقطع من خشب الباب
ينهض ويتابع بعينين مشدوهتين فاغرا ً فمه خليل المنطلق باتجاه الفردوس صارخا مهللا ً مستبشرا ً ..

(.. ألم أقل لك أني سأجر الموت والدمار عليه وعلى جميع أهل الجنة .. )

رفع ميمون عينيه ليرى جبريل واقفا بقربه يرمق خليل و الشروق الغريب في الأفق فقد كانت الشمس تشرق للمرة الأوى من غرب الفردوس .. وارتسمت على وجه الملاك المعمر ابتسامة هادئة معجونة بالحكمة والدهاء ..
و ضع كفه على كتف ميمون المذهول وقال ..

( .. إذهب يا ميمون .. إذهب وابني لهم مسجدا ً .. )




النهاية ..





الغراب الحكيم .


ملاحظة : لم أتطرق إلى الله في القصة كشخصية .. ولكن ليس احتراما ً ولا إجلالا ً .. ولكن لأنه لم يكن .. ولا هو الآن .. ولن يكون موجودا ً أبدا ًً..

هناك 33 تعليقًا:

نبيل طاهر يقول...

راااااااائع جداًًًًًًًًًًًً ياصديقي!!
قرأت اربعة أجزاء وحاكمل الباقي بعدين.
تشيرز!
ابن سلول

Arabs in Space يقول...

عزيزي غراب ،

استمتعت بالقصة ، الوصف العام جيد وفيه مرونة للتخيل ، إلا أنني أحسست بأنك استعجلت بعض الشيء في نهاية القصة والتي قد تحتاج الى إعادة صياغة جزئي في بعض أجزائها لتصبح أقوى.
أعتقد أن "آيا" و "Silhouette" ستوافقانني الرأي أن خلفية القصة تعيد الى الاذهان خلفيات قصص المدون المختفي والرائع صاحب مدونة "ضفاف مخضبة بالجنون".

على العموم ، أعتقد أن التجربة جيدة بصورة عامة. وشخصياً إستمتعت بقرأتها.

تحياتي
MHJ

غير معرف يقول...

استمتعت بقراءة قصتك.

شدّتني البداية ولم أفهم النهاية.

تمكنت يا غراب من إضحاكي في مواقع معينة من القصة لكنك أفسدت متعتي بالقراءة بكثرة غلطاتك الإملائية.

أتمنى عليك العودة للقصة وتصحيح تلك الأخطاء.

أما عن بنية القصة structure

فقد كان سليما في البداية وخلال المنتصف ، لكنه بدأ يتهالك نحو النهاية.

بوركت جهودك ، ولتكن هذه بداية لمحاولات أخرى في كتابة القصة.

silhouette يقول...

آسفة تأخرت عليك,, كنت أقضّي مقاضي العيد :)

القصة جميلة وممتعة ولكنني مثل أصدقائي الذين سبقوني بالتعليق أعتقد أن نهايتها مبتورة فقد تفاجأت بكلمة النهاية في حين أنني كنت في إنتظار أن أفهم معنى التنصيب بالضبط وماسيفعله خليل بعد ذلك,, عموماً مع خيالك الواسع أعتقد بأنك لن تعجز من تكملتها لو أتيح لك الوقت.


و نعم يا عرب في الفضاء ذكرتني بقصص أبا الحكم التي كان يقصها عن آدم في الجنة.


تحياتي وحبي دائماً

rawndy يقول...

hi my friend . i call you from riyadh after afew days. now iam in sri lanka. iam : saudifast. blogspot .com

نبيل طاهر يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
نبيل طاهر يقول...

اتمنى لو كان السيد جبريل اكتشف ان النطام المعمول به (دنيا, حسنات\سيئات, جنة, نسوان وعسل وتخاريف) لاتنفع. ويرجع في النهاية الى ال(BOSS)الكبير ويطلب منه اعادة النظر. من يدري قد يكلفه البوس الكبير ان ينظر الى انظمة اخرى..مثل البوذية مثلاً (عودة الانسان الى الحياة, وليس الخلود في الجنة المملة كما صورتها بطريقة رائعة).
سلام ومودة

أبو مسلم السفاح يقول...

لا أعرف ان كان رائي مخالف لقواعد اللباقة ام لا

اولا: لا ارى فى القصةاى إبداع فالقصة هى رؤيتك الشخصية لما فعله نبيا الكريم " بادعاءة النبوة كما ترى انت و باقى الملاحدة " و بالطبع فأنت تكتب الحوار الذى دار فى عقل نبينا الكريم قبل ان ينزل جبريل عليه كما نرى أو يدعى نزوله كما تروا
و بالطبع الموضوع تدور فكرته الرئيسيه عن أسباب قوة الفكر الدينى و دور الفردوس ( الشبلبح )فى عقول المسلمين
ايها الغراب
ان لم يكن لله جنة و نار فهو احق بالعبادة و للعلم فان النظرة المادية للجنة و النار عادة ما تكون سببا اسيا للالحاد دون النظر للجانب الفسلفى لها القائم على الأضداد ( الثواب و العقاب ) ( الخير و الشر )

سيلويت
اى نهاية مبتورة التى تتحدثين عنها النهاية من وجهة نظر الغراب ما نعيشه الأن

Tunisian and proud يقول...

bravo

غير معرف يقول...

الحقيقة أعجبتني القصة ولكن من القسم الثالث بدأت تطول فقد أكثرت من الوصف عموما النهاية لمن يريد قصة تقليدية لم تكن مقنعة و لمن كان مقوقع الفكر كانت سخيفة و غير مقبولة ....

أنا عن نفسي أعجبتني القصة و النهاية مع الإبقاء على حقي قي الإنتقاد بالنسبة للتطويل في الوصف

غير معرف يقول...

مبدع فنان

قصه ولا اروع

للاسف لم اعرف بوجود مدونتك الا الان

واصل الابداع

غير معرف يقول...

ok. I found an information here that i want to look for.

غير معرف يقول...

sure, why not!

غير معرف يقول...

sure, why not!

غير معرف يقول...

wow, very special, i like it.

غير معرف يقول...

not bad.

غير معرف يقول...

sure, why not!

غير معرف يقول...

im here because of few cents for you. just dropping by.

غير معرف يقول...

help me.

غير معرف يقول...

its good to know about it? where did you get that information?

غير معرف يقول...

wow, very special, i like it.

غير معرف يقول...

not bad.

غير معرف يقول...

what happened to the other one?

غير معرف يقول...

im your favorite reader here!

غير معرف يقول...

ممتعة ومضحكة بنهاية مبتورة، إجمالاً جميلة

moderate يقول...

you are all psychopathic...!
sorry but no body can tell the opposite if he reads your crap...!
you know what ..? you are sex freak and it seems that you are also an addict want to spread AIDS and STD's and addiction...!

moderate يقول...

you are all psychopathic...!
sorry but no body can tell the opposite if he reads your crap...!
you know what ..? you are sex freak and it seems that you are also an addict want to spread AIDS and STD's and addiction...!

غير معرف يقول...

فكرة جديدة وغريبة ورغم اختلافي معك فى كثير من الافكار الا ان ذلك لا ينفى اعجابى بها .. شعرت بالتناقض عندما رايت عبارتك الاخيرة بخصوص الاله ,فوجود الجنة والحياة الاخرى مرتبط بوجود اله وعقاب في الاخرة فاذا كنت حقيقة لا تؤمن بالله فعلى اى اساس تكتب عن جنته

ارجو التوضيح

نادر الحر يقول...

صديقي العزيز :الغراب
******************
بدون مجاملة...قصة جيدة من حيث البناء...النهاية غير متوقعة...توجد بعض الهفوات الإملائية..لاتؤثر علي سير القصة...
لكن ياصديقي : واللأت والعزي و مناة الثالثة الاخري اني استمتعت بقرأتها
تجربة جيدة اتمني لك كل توفيق

تحياتي

نادر الحر

غير معرف يقول...

قصه عجيبه جدا ... وخيال واسع واسلوب طرح جمييييل ...
فعلا
ما المتعه من الشيئ اذا لم تتعب عليه
عاد تصدقون ان من صغري كنت افكر ان الجنه مكان ممل
يقولون نهر من عسل
الصراحه فرع باسكن روبنز ابرك

thegameq8 يقول...

قصه جميله
اريد الشبلبع انا ايضا هههههه

thegameq8 يقول...

مرحبا
كل ما احس بلملل اقرأ هذة القصه من جديد
تحيه :)

غير معرف يقول...

تحية يا غراب ...

اشقيت العقل يا عزيزي كثيرا ...الا ترى معي ان العقل له حدوداذا تعدها قد يضيع في غياهب الجنون .....سلام وهذا السلام اسم من اسمء الله اللذي لا تعترف بوجوده ولكنك تنطقه في كل تعليق لك يبدو ان العقل لم يسعفك هذه المرة سلام مرة اخرى