القلم .. قصة قصيرة


حدثني أيوب بن أبي زيد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، 
عن جده عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله - صلعم - يقول : 
" إن أول شيء خلق الله القلم ، فقال له : اجر ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة 
.. ولكن ما لم يذكر هو أن القلم كانت له غايات و مآرب أخرى "




جلس رافعا قدميه على المكتب واضعا قلم رصاص بين أنفه وشفته هو يترقب الوقت متى تنتهي ساعات عمله كي يغرق في بحر السكر وينسى كل ما كان من ماضي أتعبه.
سمع أزيز صوت الباب فرفع عينيه إلى الباب الذي أطل منه وجه شاحب خالي من الابتسامة قال له وبكل برود

أريد رؤية باب الخروج .. فأنا تائه هنا من أعوام
 
رد عليه وعلى وجهه ابتسامة صفراء : وماذا تفعل هنا ؟ 
 
أنزل العجوز عينيه إلى الأرض رافعا حاجبيه : كنت ابحث عن أوراقي وكتاباتي لوقت طويل .. لا اعرف لماذا جلبتها معي وكيف أضعتها من احضرني إلى هنا ولماذا
 
تهكم الرجل وهو ما يزال يوازن القلم بين شفته وأنفه وقال : وهل تحسبني البواب أم رجل الأمن اذهب عني بعيدا .

تبسم الرجل ذو الوجه الشاحب ابتسامة حزينة وقال : أما زلت تنتظر أنتهاء الدوام لتعود لزوجتك الجميلة .

أنزل الرجل حذائه من على ظهر المكتب و وضع القلم الذي كان تحت أنفه في الدرج بعصبية ووقف منزعجا من كلام العجوز قبل أن يقاطعهما رجل يضع قلم رصاص فوق أذنه و يحمل كوب شاي على صحن ورقي وهو يلهث بعصبية.. 
 
- هل يعرف أحدكما من طلب كوب الشاي هذا .. ؟ هل هو أنت أم أنت ؟ .. الشاي سيبرد ويجب أن أجد الأحمق الذي طلبه .. أنا مستعجل .

رد عليه الرجل العجوز ببرود شاحب : أنسى كوب الشاي . عليك بالبحث عن باب الخروج
 
تلفت النادل بين العجوز والرجل الواقف أمام المكتب بصمت وبتعجب لبرهة ثم انطلق وهو يتمتم بعصبية باحثا عن صاحب الكوب
 
- " ألست تبحث عن أوراقك وكتاباتك .. اذهب وابحث عنها في مكان آخر" . قال الرجل الواقف خلف المكتب .

نظر العجوز إليه لبرهة وقال : هذه هي المشكلة .. كل الموجودين هنا غارقون في فكرة ما تلتهمهم .. 
 أنت تنتظر ساعات الدوام لتنتهي على الرغم من عدم وجود عقارب على ساعة الحائط , والنادل يجري خلف صاحب كوب الشاي الذي جفت مياهه منذ سنين وأنا كنت غارقا في البحث عن أوراقي وكتاباتي التي لم أعد أذكر هل كتبتها بالفعل أم أنها مجرد وهم آخر يدفعني للجري والتوتر والبحث المضني بلا نهاية .. لقد أدركت أننا هنا منذ زمن طويل جدا وأنه يجب البحث عن باب المخرج .. ولا أعرف حتى إذا ما كان موجودا أم أنه وهم آخر علينا أن نجري ورائه
 
ساد الصمت للحظات بين الرجل العجوز والرجل الواقف خلف المكتب قبل أن تمتط ابتسامة عصبية على وجه الذي بدأ عرق بارد يظهر عليه : ارحل عني .. ماذا تقول .. أنت تزعجني ..أنت مجنون .. كلها بضع دقائق قبل أن أنهي دوامي وأعود للبيت إلى زوجتي الحبيبة .. أنت مجنون .. ارحل عني .

وجلس على الكرسي الدوار وأشاح بوجهه .. تقدم العجوز من المكتب وأخرج من جيبه قلم رصاص .

- انظر إلى هذا .. إنه نفس القلم الذي يحمله النادل على أذنه .. 
 وهو نفس القلم الذي كنت تضعه تحت أنفك منذ قليل
  
نظر الرجل للقلم لبرهة وعرفه .. ثم فتح درج المكتب بسرعة فلم يجد قلمه .. 
 رفع عينيه إلى الأعلى فوجد يد العجوز فارغة ..

- ما هذا .. هل تعبث معي بحركات الخفة الرخيصة هذه ..؟

رد العجوز : هذه ليست ألعاب خفة .. 
 لقد أدركت منذ فترة أن هناك شيئ غير طبيعي في كل ما هو موجود ويحدث هنا 
وأنت بدأت ترى هذا أيضا . الحقيقة يا صديقي الشاب أنه لا يوجد هناك قلم رصاص
ولم يكن أبدا موجودا .



..............................
كتبت هذه القصة على خلفية إلهام من خاطرة قصصية
على الفيسبوك  لـ Sunds Fdys