من قصص وادي الرملة


قد كنا منذ جدنا الأول أسياد الكرامة والشرف والأخلاق
وكانت عائلتنا أولى من سكن وادي الرملة فأدخلو التسامح والأخلاق والأمان لهذا المكان البائس

نظر إبن الخمسة عشر ربيعا لجده المتربع في مضافة الدار وأردف متسائلا
ولكنك قلت لي البارحة أن الغجر كانو يسكنون قديما في هذا الوادي وأن عائلتنا هي من عمرت هذا المكان بعد أن خرب الغجر الأرض والزرع ..؟؟

الجد : نعم .. نعم ..أنا أقصد أول البشر .. فهاؤلاء الغجر قذارة نتنة لا أخلاق لها ولا تسامح .. يتاجرون بأعراضهم غشاشون كاذبون ولا يمكن إعتبارهم بشرا
لذا كان من حكمة جد العائلة أن قضى عليهم وأزال أثرهم من وادي الرملة وغسل ترابه بدمائهم وقد تطلب تنظيف هذا البيت زمنا للتخلص من رجسهم ...

بدت على وجه الشاب بعض علامات الإمتعاض وأردف قائلا ..:
إذن هذه الدار بناها الغجر .. ألم تقل لي أنهم بلا حضارة كالبهائم يعيشون في العراء ..؟؟

الجد : لا .. لا ... هم كانو يعيشون في عراء أخلاقي .. وتخلف في الكرامة ..
وهذه الدار لم يستحقها يوما من بناها حتى أتت العدالة على يد جدك فحررها منه وخلصها من أثمه وبارك جدرانها عندما سكنها

رد الشاب متعجبا هذه المرة : لكن الغجر هم من بنوها .. فكيف لا يستحقون العيش بها وأين العدل في الموضوع ..

قطب العجوز حاجبيه وقاطع الغلام غاضبا :
صه .. أتتطاول على جدك الأكبر .. إنك لم ولن تصل إلى ربع حكمته حتى لو عشت مئة سنة
حتى لو كان الغجر هم من بنو الدار فهذا لا يعني أنهم يستحقون أن يسكنوها
إن دارا بهذه السعة والجمال وجب من منطلق العدل والحق أن يسكنها قوم من جمالها ورونقها ..
جدك عرف ذالك بحكمته وطبق العدالة بأن أخذ الدار من الغجر القبيحين وسكنها هو .. صاحب السمحة والعدل والكرامة ... ألم تسمع قصة جدك مع الرجل الفقير وكيف أطعمه وسقاه وألبسه ..

الشاب .: نعم .. نعم

صمت الغلام فهو لا يستطيع مجارات جده في نقاش فقد اعتادت العائلة على الجلوس في مضافة الدار وسماع قصصه ورواياته عن جد العائلة الأكبر الذي لم يعرفه أحد من العائلة حتى جدي ومع ذالك تراه متربعا في صدر المضافة يتكلم بكل ثقة وكأنه كان معلقا على خاصرة جد العائلة وكلما أعاد إحدى النوادر زادت الأحداث قليلا أو كبر السيف شبرا وكان على الشاب المسكين الأستماع إلى جده على مضض فقد تعلمو منذ الصغر إحترام كبار السن وتصديق كل ما يقولون ..

وبينما كان العجوز منهمكا في استرجاع أحداث قصة من الذاكرة إذ بإبنته تدخل ساحة الدار وتخاطبه في أمر ما ..
فوجد الشاب هذه فرصة له للخلاص فانسل من أمامهما وانطلق من باب البيت كالعصفور باتجاه الحقل على الطرف البعيد من وادي الرملة

إقترب من الشجرة الكبيرة لاهثا وانحنا يلتقط أنفاسه مستندا إلى الجذع

- : لقد تأخرت اليوم أيضا ..

رفع الشاب عينيه ببطء ليشاهد حذائا ناعما أسود اللون ذو زخرفات .. فنقوش ثوب أحمر طويل ووشاح خمري اللون ينسدل على كتفي صبية في ربيعها الخامس عشر تربط شعرعا الطويل الكستنائي بشريط أسود

الشاب : لا أريد أن أحكي لك عن جدي فقد أخبرتك عنه وعن حكاياته سابقا ..

الفتاة : وهل مازال يحكي لك عن الغجر الأشرار السيئين الذين يأكلون الأطفال . .؟

الشاب .: نعم كالعادة على الرغم من أنه لا يعرفهم ولم يقابل أحدا منهم طوال حياته ..

الفتاة : هذا ظلم أن تنعت قبيلتي بالغجر من رجل يعيش منعزلا عن العالم وقام جده باغتصاب الأرض من أحد أبنائنا .. نحن تجار وفلاحون مسالمون ولسنا غجرا

الشاب : لماذا تقولين هذا الكلام لي فأنا أعرف من تكونين ومن يكون أهلك ..

الفتاة : ولكن جدك ..؟؟

الشاب : من واجبي عليه أن أحترمه حتى لو كان مخطئا .. ولكن المستقبل سيكون خال من الكذب والتضليل والعزلة

نظرت الفتاة بدلال إلى الشاب وقالت : المستقبل .؟؟ .. وهل تراني في هذا المستقبل ..

أمسك الشاب يدها ونظر في عينيها وقال : عزيزتي أنت المستقبل كله ..


البداية

----------------------------------------------------------
- عجيب كيف ترتكب أبشع الجرائم باسم أنبل وأجمل الأهداف -

(الغراب الحكيم)