يحكى أن ..

يحكى أن مدينة النور المليئة بالخير والكرم ومحاسن البنيان والحضور قد سقطت بعد نضال طويل وصبر عليل في يد عدو خبيث عاث فيها من الفساد والتدمير حدا لم يصله البربر و المغول فقد كانت المدينة جنة من جنان الياسمين والكينا والزعتر وحبة البركة وماؤها زلال لذيل يقصده الغاوون القادمين من بعيد المعمورة وكانت الورود الجورية تغني على العتبات ليلعب الأطفال ( بالدحل والبلبل ) ضاحكين هانئين في الحارة ... ومازلت أذكرها .

من أهلها الطيبين من رحل ومنهم من بقي ولكن الطامة ستنـزل فقط على من سيأتي فقد ذبلت الجنان وماتت الكينا بصحن الدار وجفت الياسمين من اشتياقها لنظرة محبة و يد حنونة وملأت ينابيعها السبعة السموم و سكن الوباء رياحها وباتت الحارة خالية من ضحكات أطفالها وأما ما جرى لجوريات العتبة ... فلا ؤريد أن أتذكر .

قد أتى ذاك العدو على كل شيئ حتا بات الخلاص بالموت أو الرحيل حلما صعب المنال وكل من ينجح في الرحيل يمسي طريدة لذيذة إذا ما ناداه الشوق و حاول الرجوع . وكنت أذكر كيف غافلنا ذاك العدو وقفز فوق سياجنا ونحن هانئين نائمين
ليضرب بسيفه المقدود من الخوف والترهيب على مر عقود ثلاث كل ما فينا من كرامة ونخوة وحس بالمسؤولية فبتنا كخراف القطيع طيعين مطيعين لا يهز لنا جفن إذاما إقتيد أحدنا من شعره وهو يصرخ مستغيثا أو يبكي مستجديا عطف من يجره إلى النطع.

وقد مرت السنين وزادت سطوة الزبانية والأعوان وباتت كل لقمة عيش وقطرة شرب رهن مكاسبها فما من شيئ إلا بثمن يعلو ويهبط بحسب مقاييس السوق و فنون الأحتكار وزاد على ذالك زيارة الموت لأرض الشرق ليبسط كفه الباردة بأسم الحرية التي يسلبها والحياة التي يدمرها , فما كان منا بفطرتنا وما بقي من نخوتنا إلا أن استقبلنا أبناء عمومتنا المنكوبين بأيد مفتوحة لنشاركهم ألمهم وجوعهم بعد أن تركو خلفهم على قارعة الطريق حمورابي يبكي مملكة السماء المدمرة .

والآن .. وبينما أنا جالس أكتب هذه الكلمات أفكر مليا في قصتي وقصة مدينة النور الخالدة والتي صرت أرى أن خلودها بات لعنة ترافق ما فيها من يأس وألم , و أمر في أفكاري باحثا عن أمل أكذب فيه على نفسي لأقول أن الزمن دوار و أن الحال إلى صلاح لكن أهل مدينة النور على مر الزمن قد تغيروا وغطى الفرو أجسادهم العارية ليقيهم برد الشتاء الدائم وطالت أنيابهم ليتمكنو من نهش أي فريسة مارة ليؤمنو لقمة أطفالهم . واليوم يقتلني الحنين والشوق لزيارة أرض خراب سكانها من الضباع ..

..... فهل تقول عني غير أني مجنون ؟! .

ليست هناك تعليقات: