مقعد في الحديقة .

قصة قصيرة . 

 
 إقترب من المقعد الخشبي في الحديقة وجلس على طرفه متثاقلا ومفاصله تتقرقع تحت وزن كرشه الكبير
لهث قليلا .. رفع قبعته عن رأسه ووضعها جانبا فوق الجريدة حتى لا تطير مع نسمات الهواء الباردة.
أخرج غليونه وكيس التبغ وبدأ يحشوه بتأني ..
أنهى حشو الغليون مبتسما وطوى كيس التبغ وحشره في جيب البدلة الرمادية
وما أن أشعل عود الكبريت سمع صوتا بجانبه يقول له ..

"لا أطفئ النار .. ستحترق !”

نظر إلى جانبه فوجده جالسا على المقعد بجواره
طفل لم يتجاوز الخامسة لم يستطع رؤيته إلى بتحريك جسده الثقيل والممتلئ
كان الولد يرتدي ملابس بسيطة تقول الكثير عن مستوى عائلته المادي ولكنها  نظيفة و مكوية و قصة شعره المنسدل على جبينه الصغير تشهد على حب وعناية ذويه

قال الرجل مبتسما وهو يخرج عودا آخر بدل الذي إنطفأ وهو يعض على الغليون برأس أسنانه كي لا يقع

" و لماذا أحترق يا بني .. وهل تراني ورقة شجر يابسة " 

وقبل أن يلامس العود الجديد حافة علبة الكبريت قال الولد : ولكن الخشب سريع الإشتعال ونحن منحوتين من الخشبب ..!

توقف الرجل لبرهة وسحب غليونه من فمه و نظر إلى الولد عله لم يسمع ما قاله بوضوح .

الولد : الخشب كله سريع الإشتعال ولو قربت منه أي نار قد يتسبب في حريق هكذا أخبرني أبي ..

فرد عليه الرجل : وهل الناس تنحت أساسا يا بني ..؟

فقال الولد : أنى أرى أبي ينحت كل شيئ من الخشب لذا نعم كل شئ من الخشب ونحن من كل شيئ
إذن نحن منحوتين من الخشب ..

فسأل الرجل الولد محاولا جعل الولد يفهم خطأه بمفرده :  وهل تعرف من أين يأتي الأطفال الصغار ..

رد الولد :  بالتأكيد ينحتون أيضا وإلا كيف يأتون ؟

هنا تراجع الرجل عن ذكر موضوع الحمل والولادة لطفل لن يفهمه كما أنه تذكر أن هذه مسؤولية ذويه أن يعلموه هذه الأشياء
وطال صمته وحيرته والولد مازال ينظر إليه على المقعد الخشبي وهو يأرجه قدميه الصغيرتين التان لا تلامسان الأرض

قال الرجل في نفسه : لو أنني أظهرت له ثغرة في منطقه ربما يفهم المغالطة ..
أو لعلي أجاريه حتى يقع هو في المغالطة ويرى بنفسه أن الفكرة فيها ثغرة كبيرة تجعلها خاطئة

هنا قطع الرجل صمته ونظر قائلا للولد :  لنقل أننا منحوتين كما تقول ..( هنا إبتسم الولد )
النحت يحتاج إلى نحات .. هل والدك هو من نحت كل شيئ ..؟

فصمت الولد ولم يجد إجابة .. فعاد الرجل وسأل : هل يستطيع والدك أن ينحت نفسه أو أن ينحت جدك أو من قبلهم ..

فرد الولد بسرعة وبرائة :  لا ..

فقال له الرجل :  إذن والدك لم ينحت كل شيئ بحسب كلامك ..

فهز الولد رأسه بالإيجاب ..

الرجل : إذن من نحتها .. ؟

صمت الولد قليلا ثم قال : أنا لا أستطيع رؤية النحات .. ولا أعرفه ..
ولكن لأن كل شيئ منحوت من الخشب إذن النحات موجود بالتأكيد ..
ولأنني لا أستطيع أن أراه  فهو نحات سحري خفي لا يستطيع الناس رؤيته ..

هنا قمت أنا بإغلاق جهاز الحاسب المحمول الذي كنت أتصفح فيه بعض المقالات و وضعته في حقيبتة ومشيت مبتعدا عن الكرسي الخشبي المقابل لكرسي الولد والرجل وتسائلت وأنا أخرج من باب الحديقة
يا ترى .. كيف يمكن أن نكمل هذه القصة ..
وكيف يمكن أن توضع لها نهاية مناسبة ..
ورأيت أن أترك هذا لكم أصدقائي القراء 

سلام .